مصرف السلام الجزائر .. خدمات بنكية أصيلة
أركان خاصةمختارات أدبية

كيف تحيا الأمة الإسلامية بالقرآن الكريم الشيخ محمد مكركب

mk أوحى الله تعالى إلى خاتم النبيين -صلى الله عليه وسلم- روحاً من أمره، ليجعله نوراً يهدي به من يشاء..فكان ذلك الروح النوراني حياة للروح الإنسانية، فمنه تتغذى روح الإنسان، وعقله، ونفسه، وبذلك يستقيم أمره، وبالمواظبة على مدارسة القرآن يطيب الشعور الإيماني، ويذكو القلب ويطمئن، وتزكو النفس وتهدأ، ويقوى الإحساس بالمعاني النبيلة، ويحدث الارتقاء الحضاري، والتطور المدني، وهذا هو الهدف بعد العقيدة والعبادة.

فكيف وبم يثمر القرآن في بني الإنسان هذه الثمرات الطيبة، وكيف تتحقق تلك المعاني السامية في العقل والنفس؟…مما هو معلوم لدى أهل الإيمان أن الحياة البشرية لا تستقيم على هذه الأرض إلا باستقامة الإنسان، كما أمره ربه عز وجل، والأمر الذي أُمِرَ به هو في القرآن…ومعنى هذا أن كمال استقامة حياة الإنسان لا تتحقق إلا بالقرآن…

قال السائل: فهل من دليل صحيح، وبيان صريح؟..قلت: وهل القول بأن (سعادة البشر في الدنيا والآخرة مرهونة بالقرآن) يحتاج إلى دليل بالنسبة للمؤمنين؟..ليس هذا وإنما لتطمئن قلوب المترددين، والبعيدين عن مدارسة الكتاب..لأنه مع الأسف ما زال إلى الآن من يظن أن القرآن الكريم والسنة النبوية هما للصلاة والصيام والحج فقط..ويذهب بهم ظنهم هذا إلى أن التربية والاقتصاد والسياسة والاجتماع وغير ذلك من أمور بناء الدولة فلا علاقة له بالقرآن والسنة..وذلك مبلغهم من العلم..

إن أرقى وأسمى مثال إنساني وأحسن وأكمل قدوة في الحياة البشرية الحقة هو رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وليكون كذلك أمره ربه عز وجل.فقال:{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا. وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا. وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلا}(سورة الأحزاب:1 ـ3).

 فاستقام الرسول صلى الله عليه وسلم بالقرآن كما أمره ربه، وربى الرسول -صلى الله عليه وسلم- صَحَابَتَهُ رضي الله عنهم بالقرآن، حتى تركهم على المحجة البيضاء..قال الله تعالى: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}(سورة الشورى:52)

مازلت لم تقل لي كيف تحيا الأمة بالقرآن؟ أجل سأبين بإذن الله تعالى..ولكنك أنت الذي طلبت الدليل، والدليل في القرآن والسنة واضح ومبين في آيات كثيرة، وأحاديث كثيرة أيضا..من الآيات القرآنية ما جاء في سورة طه:{فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى. وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} وفي سورة: النساء{إِنَّا أَنزلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا}.

ومن الأحاديث النبوية: روى البخاري من حديث أنس بن مالك : أنه سمع عمر الغد، حين بايع المسلمون أبا بكر، واستوى على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، تشهد قبل أبي بكر، فقال: [أما بعد: فاختار الله لرسوله صلى الله عليه وسلم الذي عنده على الذي عندكم، وهذا الكتاب الذي هدى الله به رسولكم فخذوا به تهتدوا لما هدى الله به رسوله] [رواه البخاري.كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة]. وفي الحديث [والقرآن حجة لك أو عليك] [رواه مسلم:223] وقوله عليه الصلاة والسلام: [إِنَّ اللَّهَ يَرْفَعُ بِهَذَا الْكِتَابِ أَقْوَامًا وَيَضَعُ بِهِ آخَرِينَ] [رواه مسلم كتاب صلاة المسافرين: 817]

والحديث الشريف: عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [ما من الأنبياء نبي إلا أعطي من الآيات ما مثله أومن أو آمن عليه البشر وإنما كان الذي أوتيته وحيا أوحاه الله إلي فأرجو أني أكثرهم تابعا يوم القيامة] [البخاري.كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة].

وإليك البيان كيف نحيا بالقرآن..ولا يكون ذلك إلا بخدمته..خدمة ماذا؟ خدمة القرآن..ما علاقة خدمة القرآن بموضوع الحياة بالقرآن؟

اسمع هذا المثل: لو قيل: إن الجسد يحيا بالأرض..لعلم السامع أن الغذاء الجسدي من الأرض لا يتحقق إلا بحسن خدمة الأرض بالفلاحة والزراعة والغراسة والسقي وغير ذلك..فكذلك لا تتحقق الحياة بالقرآن إلا بخدمة القرآن..

إذن فليكن السؤال كيف نخدم القرآن لنحيا به؟ هي عشرة واجبات:

الواجب الأول من واجبات خدمة القرآن: تعلمه وتعليمه:

وهذا يقتضي: القراءة، والاستظهار، والتفكر، والتدبر، قال الله تعالى:{كِتَابٌ أَنزلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الألْبَابِ}(سورة ص:29). وقوله عز وجل:{أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا}(سورة محمد:24). ولكي يتعلم الناس ويحيون بالقرآن، وجب أن يكون القرآن هو المادة الأولى في كل مرحلة من مراحل التعليم العام والخاص، وفي كل التخصصات.

سأل الصديق صديقه وهو يحاوره: لماذا تخلف المسلمون؟ أجابه قائلا: لأنهم لم يعملوا بالقرآن..قال يرد عليه: لا أظن هذا، فهم يعملون بالقرآن..قال: أجب نفسك أنت بالذات وبصدق وصراحة، كم تدبرت من آيات القرآن؟ أي تدبر الأحكام والحِكم، وليس تدبر المعاني فقط، فانتبه لهذا..أنت في مجلس الشورى، أي أنت برلماني أليس كذلك؟ قال: نعم. إذن فالمفروض أنك علمت كل حكم في القرآن.!! أرأيت؟ هذا هو السبب..أنت برلماني مهمتك تشرع للأمة ولم تتدبر كل القرآن؟ هل تعلم كم آية تحدثت عن التشريع والقضاء؟ ما هي الآيات التي تعالج القضايا الاقتصادية، والقضايا السياسية؟ أم أنك أنت من الذين يقولون ما شأن القرآن بالتشريع، والاقتصاد، والتربية، والسياسة؟

 الواجب الثاني من واجبات خدمة القرآن: العمل بأحكامه وحكمه:

أي توظيف القرآن في حياتنا، وبناء على الواجب الأول أن يتدبر المسلمون القرآن تدبرا موضوعيا..ما معنى التدبر الموضوعي؟ هو التفسير الموضوعي..أن المسلم الذي يريد أن يعمل بأحكام وحكم القرآن والسنة النبوية، عليه أن يجمع كل الآيات التي تتناول الموضوع الذي يريد فهمه والتفقه فيه، مع الأحاديث النبوية التي تتحدث في نفس الموضوع، ويرتب الأحكام، ويصل إلى ما يجب العمل به إن شاء الله تعالى..

ومثال على ذلك، فإذا أراد التاجر أن يتفقه بالقرآن في فقه التجارة ما عليه إلا أن يجمع الآيات القرآنية في موضوع البيع والشراء والعقود والحلال والحرام في التجارة والنظام المالي في القرآن والسنة، تحت إشراف عالم متمكن من اللغة وعلوم القرآن {وَنزلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ}(سورة النحل:89).

الواجب الثالث من واجبات خدمة القرآن: التفقه في لغة القرآن:

 من واجبات المسلمين والمسلمات التفقه في لغة القرآن الكريم، ولا يتسنى لهم ذلك إلا إذا كانت لغة القرآن هي التعليم في كل العلوم، وكل مراحل التعليم، وفي كل التخصصات. قال الله تعالى:{إِنَّا أَنزلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ}(سورة يوسف:2)

لماذا لا يكتفي المسلم بقراءة القرآن بالترجمة الناقلة لتفسير القرآن.أي القراءة باللغات التي تُرْجِمَتْ إليها معاني القرآن؟.

أولا فليعلم المسلم أنه لا لغة تستطيع أن تنوب عن لغة القرآن مائة بالمائة، وترجمة معاني القرآن ليست هي القرآن، لأن القرآن أصلا لا يُترجم ولا تجوز ترجمته، وإنما تترجم بعض المعاني التي يعبر عنها المترجم باللغة التي ينقل إليها هذه المعاني، وهي ليست كل المعاني، لأن أي لغة غير لغة القرآن لا تستطيع أن تستوعب دقة المعاني كلها، فضلا عن الإعجاز بمختلف أبعاده وأنواعه.

لذلك كانت ولا تزال الزوايا والكتاتيب والمدارس القرآنية تلازم وتجمع بين إقراء القرآن وتعليمه للناشئة، وتعليم اللغة العربية معه..ولكون فهم القرآن لا يكون إلا باللغة التي أنزل بها، تفطن لذلك الاستعمار الفرنسي في الجزائر وحارب اللغة العربية، من سنة: 1830م إلى: 1962م. ومازال يحاربها بكل الوسائل والأساليب، والفرص التي تتاح له، خاصة في ظل تدهور المنظومات التربوية في البلدان الإسلامية..ومنها منظومة التربية والتعليم في الجزائر..ومازالت اللغة العربية تشتكي مما ابتليت به في دارها وبين أهلها من الإقصاء والإهانة..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى